يَعتقِد الكثير من النّاس أنّ لِلإنسان عقلان، هما: العقل الواعي، والعقل اللّاواعي أو ما يُسمّى العقل الباطِن، وهذا الاعتقاد خاطئ؛ فكلّ شخصٍ يملِك عقلاً واحداً لكنّه يَقوم بِوَظيفتَين مُختلفتَين، وللتّمييز بين هاتين الوظيفتَين استُخدِمت تسميتان، وهما: العقل الواعي، والعقل الباطِن. سيتمّ التعريف في هذا المقال بالعقل الباطِن وطريقة عمله، وكيف يُؤثّر على شخصيّة الإنسان.[١]
يُسمّى العقل الباطِن العقلَ اللّاواعي، وهو العقل المسؤول عن الخواطر والأحلام، وعن مزاج الإنسان، إضافةً إلى أنّه المسؤول عن تحديد السِّمات الحقيقيّة للشّخصيّة، وهو مُطيع لِلإنسان؛ حيث يستطيع الإنسان توجيهَه باستخدام أسلوب التّكرار والإيحاء، وتزداد هذه الطّاعة بِزيادة التّلقين ومُمارسة التّمارين الخاصّة بِذلك،[٢] إذاً فالعقل الباطِن هو الذي يتحكّم بعادات الشّخص وسلوكيّاته، وهو أساس تصرُّفاته.[١]
وقد أثبتت الدّراسات أنّ العقل الباطِن للإنسان يَعمل على مدار اليوم كاملاً حتّى أثناء فترة النّوم، وهو يُؤثّر على وصول الشّخص إلى غاياته وأهدافه، وذلك بناءً على طريقة تفكيره؛ سواءً أكانت إيجابيّةً أم سلبيّةً، ويُساعِد العقل الباطن الشّخص أيضاً على الوصول إلى أهدافه حسب قوّة تلك الأهداف ووضوحِها، فهو يُطلق طاقةً كافيةً تُساعد الإنسان على الوصول إلى هدفه؛ وذلك عن طريق إزالة العَقَبات التي تُواجهه، ويجعل السّلوك يتغّير ليتناسبَ مع الأهداف، فإذا لم يكن هناك هدف واضح فلن يُساعِد العقل الباطن على الوصول إليه، وكثيراً ما يجد الشّخص نفسه قد غيّر من أسلوبه وطريقة كلامه؛ بهدف الوصول لغايته، وهذا كلّه يحصل بِمُساعدة العقل الباطِن.[١]
إنّ آليّة عمل العقل الباطِن للإنسان تُشبِه إلى حدٍّ ما آليّة عمل برامج الكُمبيوتر، وإذا أراد الشّخص أن يُعطيَه البرنامج مُخرَجاتٍ مُعيّنةً فيجب أن يضبط المُبرمِج البرنامَج ضبطاً صحيحاً حتّى يَحصُل على النّتائج المَرجُوّة. هناك مُدخِلات للكمبيوتر يُدخل المُبرمِج عن طريقها البياناتِ اللازمةَ، ومُدخِلات الكُمبيوتر: هي: الفأرة، ولوحة المفاتيح، والماسح الضوئيّ، أمّا النّتائج فيتمّ الحصول عليها عن طريق المُخرِجات، وهي: الشّاشة، والطّابِعة، فإذا ارتكب المُبرمِج خطأً ما أثناء عمليّة البرمجة فسيحدُث خلل حينها، ويتمثّل ذلك بظهور رموز غريبة وكلمات غير مفهومة، أو سماع صوتٍ شاذٍّ عند تنفيذ البرنامج، وعندها سيُحاول المُبرمِج اكتشاف الخطأ لتصحيحه.[٣]
وبقياس ذلك على العقل الباطِن فإنّ المُبرمِج هو العقل الواعي، ومُدخِلات الإنسان هي الحواسّ الخمس، أمّا المُخرِجات فتتمثّل في سلوك الإنسان ونظراته وتصرُّفاته، ويُعطي العقل الواعي الأوامر للعقل الباطِن، ولو وُجِد خلل في تصرُّفات الإنسان مع مَن حوله، أو لوحِظت أمور أخرى عليه، مثل: القلق، والتوتّر، أو العصبيّة الزائدة، فيجب على العقل الواعي أن يُغيّر الاعتقاداتِ التي سبّبت مثل هذه التصرُّفات.[٣]
يُخفي الإنسان منذ طفولته الأفكار والمشاعر التي يَصعُب عليه التّصريح بها لِمَن حوله، وهذا ما يُسمّى الكَبت، وهو عبارة عن مجموعة من القُوى التي تمنع المشاعر المكبوتة من الوصول إلى العقل الواعي، فتجمعها وتُخزّنها في العقل الباطِن، وقد تكون هذه المشاعر المكبوتة عدوانيّةً، أو مشاعر كراهيةٍ تجاه أشخاص مُعيَّنين، أو مشاعر خجلٍ أو خوفٍ، وقد تكون دوافع جنسيّةً، قد يُؤدّي كبتها إلى توليد مشاكل يصعُب علاجها مُستقبلاً، مثل: الاكتئاب، أو القلق والتوتّر الزّائدَين، ومن المُمكن أنْ يُصبِح الشّخص صعب التكيُّف مع بيئته المُحيطة، وكلّ ذلك يؤثّر سلباً على شخصيّة الإنسان.[٣]
ولِتلافي حدوث مثل تلك المشاكل كان لا بُدّ من فهم آليّة عمل العقل الباطِن، والاهتمام به وبما يدور داخلَه، ويجب فهم طريقة تفاعُل العقل الباطِن مع المدخلات والأوامر التي تأتي من العقل الواعي، وذلك عن طريق أداء تمارين معيّنة، وانتقاء المعلومات التي تُعطى للعقل الباطِن، فمثلا: لو سَمِع طفل صغير أنّ الوظيفة هي أهمّ شيءٍ يجب الوصول إليه، فمن المُمكن أنْ يفهم العقل الباطِن هذه المعلومة على نحوٍ خاطئٍ، وبهذا لن يُفكّر هذا الطّفل بالعمل بشكل مُستقلّ مُستقبلاً، أو إذا سمع شخص ما عن أضرار نوع مُعيّن من الطعام وأنّه سبب لكلّ الأمراض فسوف يَمتنِع عنه، حتّى لو كان هذا المُعتقَد خاطِئاً، وتُقاس على ذلك أغلب مواقف الحياة؛ إذ لا بُدّ من إعطاء العقل الباطِن المُعتقَدات الصّحيحة؛ لتحقيق النّتائج المطلوبة.[٣]
يُمكِن تلخيص صفات العقل الباطِن كما يأتي:[٤]
يُعدّ العقل الباطِن بمثابة بنك الذّكريات والمعلومات والعادات؛ إذ يحتفظ بحوالي 90% منها، وهو قادر على تسجيل ما يُقارب 50 لقطةً في الوقت نفسه، أمّا العقل الواعي فهو يُسجّل لقطتَين فقط في الوقت ذاته، فمثلاً: عندما يتحدث شخص إلى شخص آخر، فإنّ تركيز العقل الواعي يكون على الكلام، ويمكن أن تكون اللقطة الأخرى رؤية العينَين، أمّا العقل الباطِن فإنّه يخزّن في ذلك الوقت لون ملابس الشّخص الآخر، وإضاءة الغرفة، ودرجة حرارتها، وأيّ شيء آخر مسموع خارج الغرفة، وما إلى ذلك. والعقل الباطِن غير انتقائيّ فهو يقبَل كلّ شيء، ولا يُميّز بين المعلومات القادمة من العقل الواعي، وبذلك يمكن للشّخص أن يتحكّم بعقله الباطِن ويُسخِّره لِخدمته ولكلّ ما يَصُبّ في مصلحته؛ عن طريق إرساله الرّسائل الإيجابيّه له.[٤]
المقالات المتعلقة بكيف يعمل العقل الباطن